زعموا أن صباحًا كان
زعموا أن ترابًا كان
ودم الطفلة سال على الصخر
لتشربه الوديان
وسيطلع ذات صباح
كي يهدينا خرزًا
وشقائق نعمان
سأحدثكم عن أيمن
عن فرح الغابات الفاتن في عينيه
وعن سحر يديه
إذا فرت أنهار الأرض وخبأها بين أصابعه
سأحدثكم عن أيمن
عن قمر تشتبك الأشجار على دمه المنسي
قيسقط في النسيان
عن طفل
يركض خلف فراشته
وعن الخنجر في أقصى الوديان
في الأفق عصافير معادية
في الأفق طيور سود
في الأفق دم ورعود
امتشق الطفل فراشته البيضاء
صوب نحو الطائرة الأولى
فأصيب
صوب نحو الشمس فلم تسقط
صوب نحو البحر فلم يسقط
صوب نحو الأرض
فمات
بكت الشجرات
بكت السروة في السر
بكى النرجس في الساحات
قرع النهر الأجراس المنسية في الأحلام
ارتدت الأرض صدور الشهداء
وجاءت كي تشهد أيمن وهو ينام
ومشى النهر إليه
ومشى البحر إليه
مشى الوطن العربي إليه
ومشينا نحو خطاه
كان يفر جنوبًا
يحمل جثته ويهاجر
نحو حدود ترقد خلف حدود ترقد خلف حدود
سيعبر وردًا ودمًا وصدور
=======
يا حادي العيس
يا حادي العيس ســـلم لي على أمي
واحكي لها ما جرى واشكي لها همي
وما هم يا أم أن يقتلوني
وأن يزرعوني على جذع كفيك
كالبيرق المستحيل
هي الأرض في غيبة الورد تنأى
سأستلها من فضاء الوريد الذي لا يحدّ
وأغمدها في دمي
تقول صبايا الجنوب
كان يسّرح شعر الحقول وينام على صدرها
وقد فاجـــأته الطيور حامت على جفــــنه
وألقت ضـــفائرها في الحــقول
وشوهد يهوي إلى باطن الأرض
لكنّه مغرم بالغصون
كان يأتي صباحاً وفي يده طرحة العرس
ثم يقلّم أشجار عينيه
حتى يعرّش في الشمس كالأنبياء
وكان يراقص شتلة تبغ
ويجذبها صوب كفّيه
لكنها لا تصل
فيقطر حزناً وتقطر سحراً
ويمـتدّ
تمـــتد
حتى يلامسها في السماء
=======
كم أنت أجملُ في الحنين إليك
الآن تقترب القصيدة من نهايتها
وتشتبه الظّلال على المساءِ
الآن يبدأ ذلك الألقُ المراوغُ للحقيقةِ
عدّه العكسيّ،
للآلام ما يكفي من الشبهات
والشرفاتُ أضيقُ من حلول الذكرياتِ
على الشتاءِ
لا أرض تُرجع هذه الفوضى
على أعقابها
لأشمّ كامرأة على قبر
قميص لهاثكِ الملقى على جزع السرير
ولا تمائم كي أروِّض بالكلام الصِّرف
أحصنة الدماءِ
لا شيء يوقفني على قدَمَيْ رحيلكِ
أو يحالفني مع الضجر الملبّد بالخسارةِ
في فناء البيت،
محضُ يدينِ فارغتين في أبدية ثكلى
يدايَ،
وإذ تداهمني عواصفُ نأيكِ الهوجاءُ
تنشبُ حيرتي أظفارها كالقطة العمياءِ
في الغبشِ المرائي
كم أنت أجملُ في الحنينِ إليكِ،
كم ذكرى النساءِ أشدّ سحراً
في حساب العاشقينَ
من النساءِ
كم أنتِ بالغة الخفاء،
كأنما تتجاوزين هشاشة الأجسامِ
كي تتصالحي مع رغبة الفانينَ
في ترميم ما خسروهُ
من حلم البقاءِ
الآن تقترب القصيدةُ من نهايتها
تضيء يمامتا ذكراكِ
في غبشِ الظهيرةِ
كالنجومِ المستعادةِ من صراخ الليلِ
والنسيانُ يرفع ذلك الاسم الخماسيّ
المبالغ في تهدّجهِ
على خشب الشحوبِ
لا بدّ من هذا الفراق إذن
فأدرك أنني أعمى بدونكِ،
أنني النصفُ الضريرُ من التماعكِ
في الحصى الغافي
وحصة حاجبيكِ من انحناءِ الشمسِ
في قوس الغروبِ
لو كانت الأحلامُ أصدقَ من حنين الحالمينَ
لو القصائدُ لا تخون مؤلفيها
حين ينقلب الغناء على المغنّي
لاختلطتُ على أنينكِ
في فم القيعانِ
كالوتر الكذوبِ
صفراءُ ريحكِ في يباس الفقدِ،
أصفرُ ذلك الخفر المغطّى بالبثورِ
على ملامحكِ المطلةِ
من غبار الأمس،
أيتها الشبيهة بانبلاج يد ملوِّحة
على غرق الكتابة،
والتظاهرة الأخيرةُ للوداعةِ
في تفتحها على الآلام
كيف أُجيد تهجئة الروائحِ دون عطركِ؟
كيف أُفلح في احتساب الوقت؟
كيف أعيد تهدئة الأسرّةِ والوسائدِ،
أو أعدّ على الأصابعِ
ما تناثر من هبوبكِ
فوق صفصاف الجنوبِ؟
صدئٌ نحاسُ الوقتِ،
فحميّ صدى الأجراس،
مذبوحٌ شعاع الشمس فوق
أريكة الماضي،
الشتاءُ بلا يديكِ الطفلتينِ
يخرّ كالسحب القتيلة
عند أقدام الجبالِ
والبيتُ تنخرهُ الملوحةُ،
حيث لا قدماكِ في أرجائهِ
تتبادلانِ مهمة الطيرانِ
فوق رتابة الساعات،
لا كفّاك تنزلقانِ عن كتف الصباحِ
كرغوة الصابون،
لا عيناكِ تقتسمان بُنّهما المحيّر
مع ملائكة الأعالي
تترأس الفوضى جمالكِ
وهو يمعن في تصايحهِ مع الغربان
فيما لا يُرى مني
سوى أسمالِ ما خلّفتِ من وجع
تخثّرهُ الشهور على الظلالِ
في أي نهر
تهرقين الآن فاكهة اشتهائكِ،
أي صيف دائم الجريان
يبزغ مثل تغريد العنادلِ
من مسيل خطاكِ في الأيام
ثم ينام نوم الحوْرِ
في ريح الشمالِ
=======