سامي حسن
كاتب فلسطيني سوري
تشهد ألمانيا في الثالث والعشرين من فبراير انتخابات لاختيار أعضاء البرلمان ( البوندستاغ) وبالتالي تشكيل الحكومة واختيار المستشار. لذلك، وجهت الناشطة الألمانية بيترا بيكر (مستشرقة ألمانية، عاشت في سورية حوالي عشرين عاما وغادرتها في عام 2012، معروفة بدعمها للاجئين السوريين. وقد عملت خلال الفترة 2012- 2016 في مؤسسة العلوم والسياسة SWP ) رسالة إلى السوريين الذين حصلوا على الجنسية الألمانية ناشدتهم فيها التصويت بكثافة في الانتخابات، لصالح أحد الأحزاب التالية: الحزب الديمقراطي الاجتماعي ،حزب الخضر، حزب اليسار. محذرة من أن ألمانية قد تشهد تحولاً نحو الفاشية، واتخاذ قرارات معادية للاجئين، في حال فوز الأحزاب اليمينية كالاتحاد الديمقراطي المسيحي، واليمينية المتطرفة كحزب البديل من أجل ألمانيا.
يبدو أن أحد أسباب رسالة بيكر هو استشعارها احتمال تكرار سيناريو الانتخابات الأمريكية الأخيرة. فعلى خلفية موقف الإدارة الأمريكية بزعامة بايدن من حرب غزة، وتأييدها الفاضح للعدوان الإسرائيلي، انقسمت الجالية العربية والمسلمة بين مؤيد لهاريس مرشحة الحزب الديمقراطي ومؤيد لترامب مرشح الحزب الديمقراطي، وممتنع عن التصويت. لا شك أن ذلك، بشكل أو بآخر، صب في مصلحة ترامب، مع التأكيد على حقيقة أن فوزه قد جاء بفعل أسباب أخرى لها علاقة بالاقتصاد وقضايا الهجرة و…الخ.
والحال، أن موقف التحالف الحاكم في ألمانيا من حرب غزة كان قريباً من موقف الإدارة الأمريكية من حيث الانحياز الأعمى لإسرائيل. والصمت حيال حرب الإبادة التي تعرض لها الفلسطينيون، ما جعل من الهتافات الغاضبة ضد الحكومة الألمانية، ولاسيما رئيس الحكومة أولاف شولتز( الحزب الديمقراطي الاجتماعي) ، ووزيرة الخارجية أنالينا بيربوك ( حزب الخضر) ، حاضرة في التظاهرات، التي عمت المدن الألمانية منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، والتي شارك فيها السوريون بفاعلية. ومن غير المستبعد، أن ينعكس ذلك على تصويت الجاليات العربية، ومنهم السوريون، في الانتخابات القادمة.
من بين حوالي مليون لاجئ من سورية استقبلتهم ألمانيا، هناك حولي 160 ألف حصلوا على الجنسية الألمانية. وهذا رقم، له قيمته، في حال صوت جميعهم لصالح حزب بعينه. الأمر نفسه ينسحب على الجاليات العربية الأخرى، وعلى الجالية التركية، التي يبلغ عدد حاملي الجنسية الألمانية منها حوالي 1,5 مليون.
بعد سقوط نظام الأسد، وعلى رغم التطمينات النسبية التي أطلقها المستشار الألماني، فإن الترقب والغموض يكتنفان مصير السوريين، ممن لم يحصلوا على الجنسية الألمانية. وفي حال فوز اليمين فإن خيار الترحيل يصبح واردة أكثر بكثير مما هو عليه الآن. هنا لا بد من لحظ الفرق بين رغبة سوريين في العودة الطوعية إلى بلدهم، وبين انتهاك حقوق الانسان والقوانين الدولية، وإرغامهم على العودة، بدوافع عنصرية.
في شهر يونيو من العام الماضي، جرت انتخابات البرلمان الأوروبي، وكانت نتائجها بالنسبة لألمانيا على الشكل التالي: الاتحاد المسيحي الديمقراطي 30%، حزب البديل، 15,9%، الحزب الديمقراطي الاجتماعي 13,9 %، حزب الخضر 11,9%، ” تحالف سارا فاغنكنيشت” (حزب تشكل العام الماضي وهو انشقاق عن حزب اليسار) 6,2 ، حزب اليسار 2,7 . تشير هذه الأرقام بوضوح إلى أن هناك صعوداً كبيراً للأحزاب اليمينية مقارنة مع أحزاب اليسار. من ناحية أخرى تعطي نتائج الانتخابات آنفة الذكر، مؤشراً كبيراً على ما ستكون عليه نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة في ألمانية، لاسيما أن الفترة الفاصلة ما بين العمليتين الانتخابيتين قصيرة ( أقل من 9 أشهر). وبالفعل تشير أحدث استطلاعات الرأي في ألمانيا على أن نتائج الانتخابات القادمة ستكون على النحو التالي: الاتحاد المسيحي الديمقراطي 30%، حزب البديل 20%، الحزب الديمقراطي الاجتماعي اقل من 16%، حزب الخضر 11%، “تحالف سارا فاغنكنيشت” 8%، حزب اليسار 5%. أي أن اليمين واليمين المتطرف، في حال صحت استطلاعات الرأي، سيتصدران نتائج الانتخابات القادمة. وعلى رغم إعلان جميع الأحزاب الألمانية معارضتها لأي تحالف مع حزب البديل، إلا أنه لا يمكن استبعاد حصول مفاجأة ما. فما الذي يضمن ألا يتحالف اليمين مع اليمين المتطرف؟ ألم يصوت في (2025/12/31) عدد كبير من أعضاء الاتحاد المسيحي الديمقراطي إلى جانب حزب البديل لصالح مشروع قانون ” الحد من التدفق” الذي كان احد بنوده إيقاف لم شمل عائلات اللاجئين السوريين الحاصلين على الحماية الثانوية في ألمانية؟ لكن حتى لو بقي حزب البديل وحيدا، ولم يتحالف معه أحد، في الانتخابات القادمة، فإن مجرد حصوله على النسبة المتوقعة، ستجعل منه كتلة وازنة لها تأثيرها في البرلمان الألماني وقراراته. إذن، المخاوف التي أثارتها رسالة السيدة بيترا بيكر هي واقعية، لكن ثمة إشكالية ذات بعد أخلاقي تعترض تلبية دعوتها لانتخاب أحزاب (الديمقراطي الاجتماعي، الخضر) افتقدت للقيم الإنسانية، في تعاملها مع حرب الإبادة الاسرائيلية على قطاع غزة. فكيف يمكن انتخاب من برر لإسرائيل عدوانها وجرائمها، وزودها بالسلاح الذي دمر غزة وقتل أبناءها؟
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك أحزاب في ألمانيا اتخذت موقفاً مغايرا، فأعلنت رفضها للعدوان الإسرائيلي، وتضامنها مع الفلسطينيين في غزة؟ في الواقع، وباستثناء مجموعات يسارية صغيرة، عبرت بوضوح عن إدانتها للعدوان الإسرائيلي، ودعت إلى وقف الحرب، وشاركت في تظاهرات التضامن مع غزة، فإن كل الأحزاب المعروفة في ألمانيا تتشابه في مواقفها، وتتسابق في إعلان انحيازها ودعمها لإسرائيل. ربما، وبسبب موقفه المعارض للحروب، يبتعد “تحالف سارا فاغنكنيشت” قليلاً، عن مواقف باقي الأحزاب. لكني أميل لاعتباره ابتعاداً يطال الشكل لا الجوهر، ناهيك عن المواقف الملتبسة لهذا التحالف من قضايا اللجوء والهجرة. وعليه، ما كان موقف ألمانيا ليتغير لو كانت الحكومة بيد أحزاب أخرى، كالاتحاد المسيحي الديمقراطي على سبيل المثال، بل ربما كان أكثر سوءاً مما هو عليه في ظل الأحزاب التي تحكم الآن. من هنا، ربما لا يكون لنا خيار آخر، في الثالث والعشرين من فبراير ، سوى التجاوب مع نصيحة السيدة بيكر بالتصويت للأحزاب التي ذكرتها في رسالتها. أما فكرة معاقبة أحزاب التحالف الحاكم، لا سيما الديمقراطي الاجتماعي والخضر، بانتخاب أحزاب يمينية، فهي فكرة خاطئة تماما. وهي أقرب إلى عقاب الذات منها إلى عقابهم. فوصول اليمين واليمين المتطرف إلى السلطة، سيعني مواقف وسياسات أكثر دعماً لإسرائيل، وأكثر عداء اتجاه قضايا اللاجئين والمهاجرين.